ميزة جدول التنقل

جدول التنقل

شرح عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحر

معاني الكلمات :
السَحَر : آخر الليل قبيل الفجر .
يرُجّه ُ: مضارع (رجَّهُ ) يقال :رجَّهُ رَجَّاً ورَجُّة ً:هزَّهُ وحَرَكَهُ بشدَّةٍ .
الغَوْر: مِن كلِّ شيءٍ قَعْرُهُ وعُمْقُهُ .
لجَّ : يقال لَجَّ في الأمر ِ وفي السُؤالِ لَجاجاً ولجاجةً لازَمَهُ وتمادى فيه .
شرح النص :
عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحر
المطر رمز الحياة على الأرض ,فهو مصدر الخير الخصب وهو مصدر الحياة و قد بدأ الشاعر قصيدته بصورة موحية بالهدوء و السكينة : يبدأ بدر شاكر السياب بالتغزل في عيني الحبيبة، فهما غابتا نخيل ساعة السحر، ,وهما مقيدتان بساعة السحر ,وهي ساعة الهدوء و السكينة .
أو شرفتانِ راحَ ينأى عنهُما القمر
عيناكِ حين تبسمانِ تُورقُ الكروم
وقد أضفى امتداد الغابتين هدوءاً ممتداً ,أردف بهذه الساعة , بل لم يكتف بذلك فإذ العينان شرفتان مطلتان يبتعد عنهما القمر أو الضوء لتنعما بهدوء أيضاً يردف الهدوء السابق , ولكن الشاعر يعود إلى هذا الهدوء , فإذا به يحركه أو يبعث فيه الحركة .
وترقصُ الأضواءُ.. كالأقمارِ في نهر
يرجُّهُ المجداف وَهْناً ساعةَ السحر
كأنّما تنبُضُ في غوريهما النجوم
فالعينان حيت تبسمان تورق الكروم ,وينبعث النور المتلألئ منهما ,وكأنهما قمر يتراقص على صفحة نهر يهز مياهه المجداف ,أو نجوم غائرة في الظلام السحيق تنبض بالحياة.
وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيف
كالبحرِ سرَّحَ اليدينِ فوقَهُ المساء
ومع هذا فإن الهدوء و السكينة تظل في الصورة المسيطرة على عيني محبوبته عندما تغرقان في ضباب شفاف حزين ,كأنهما بحر بدأ الماء يمد ظلمته فوقه .

دفءُ الشتاءِ فيه وارتعاشةُ الخريف
والموتُ والميلادُ والظلامُ والضياء

ويردف هذه الصورة بإيحاءات الخريف و الشتاء , والموت والميلاد ,والظلام والضياء .
فتستفيقُ ملء روحي، رعشةُ البكاء
ونشوةٌ وحشيةٌ تعانق السماء
كنشوةِ الطفلِ إذا خاف من القمر
كأنَّ أقواسَ السحابِ تشربُ الغيوم..
وقطرةً فقطرةً تذوبُ في المطر...
وكركرَ الأطفالُ في عرائش الكروم
ودغدغت صمتَ العصافيرِ على الشجر
إيحاءات متناقضة ولكنها توصلنا إلى جو من الحزن أراده الشاعر ليجهش بالبكاء ,وليبعث الحزن الدفين في نفسه وليبعث صورة الطفل الذي فقد أمه ,ولم يدرك أنها لن تعود.
أنشودةُ المطر
مطر مطر مطر
تعطي كلمة مطر القصيدة طابعاً موسيقياً خاصاً يؤثر على النفس ويبعث فيها البهجة والأمل من خلال وحدة القصيدة وعذوبة موسيقاها وتجعل القصيدة أكثر إشراقاً .كلمات تتوالى وقطرات تتوالى تنسجم في إيقاعها محدِثَةً أثَراً يبهج النفس.
يرمز المطر الى دلالات عديدة :
- المطر رمز الخير والعطاء والخصب وبالتالي رمز الحياة .
- المطر رمز البعث والميلاد وتجدد الحياة والتغيرات في المستقبل.
- المطر رمز الحزن والضياع .
فالطر يهطل على أرض العراق وكان الشاعر يأمل أن تتغير مع هطوله أوضاع العراق الحزين ، لكن هطوله لم يَحُل دون استمرار الجزع.


تثاءبَ المساءُ والغيومُ ما تزال
تسحّ ما تسحّ من دموعها الثقال:
كأنّ طفلاً باتَ يهذي قبلَ أنْ ينام
بأنّ أمّه - التي أفاقَ منذ عام
فلم يجدْها، ثم حين لجَّ في السؤال
قالوا له: "بعد غدٍ تعود" -
لا بدّ أنْ تعود
وإنْ تهامسَ الرفاقُ أنّها هناك
في جانبِ التلِ تنامُ نومةَ اللحود،
تسفُّ من ترابها وتشربُ المطر
كأنّ صياداً حزيناً يجمعُ الشباك
ويلعنُ المياهَ والقدر
وينثرُ الغناء حيث يأفلُ القمر
مطر، مطر، المطر

تسحّ ما تسحّ من دموعها الثقال.... تعبير مجازي حيث الدموع تدل على المطر الغزير الذي يأتي بالخيرات أحياناً والألم والحزن أحياناً أخرى.
لم يدرك الطفل أن أمه لن تعود , فكرر وأعاد السؤال عنها !
واجيب مراعاة لمشاعره الطفولية إنها ستعود ,ولكنها هناك ترقد حيث يتشرب قبرها قطرات المطر بالدموع و الغيوم التي تسح وتنهمر.
تحليل القصيدة
أولاً : المضمون :
يبدأ الشاعر بالحديث عن امرأة قد تكون البصرة أو جيكور أو العراق أو امرأة يقصدها ، مشبهاً عينيها بغابتي نخيل هجم عليهما الليل ، ولم يكتف بهذا التشبيه ، بل أردف يشبهما بشرفتين راح القمر ينسحب عنهما ، فيتركهما غارقتين في سواد الليل ، ويدعي أن هاتين العينين عندما تلمعان أو تبتسمان ، فإن الشجر العادي يكتسب خضرة ، وتتراقص الأضواء تشبه الأقمار تنعكس على صفحة نهر ينساب فيه زورق يحذف صاحبه برفق وسط الليل ، وكأن النجوم تخفق في محجري عينها . وهاتان العينان غارقتان في حزن واضح ـ حزنهما يشبه حزن البحر حين يغمره المساء . وهذا البحر ـ العينان ـ يحوي متناقضات دفء الشتاء ـ ذبول الخريف ـ وصور الموت والميلاد والعتمة والضياء !
كل هذه الصور ـ تبعث في نفس الشاعر شعوراً بضرورة البكاء ، و شعوراً آخر بالنشوة العاتية التي ترتفع روحه من خلالها إلى عناق السماء ، وهذه النشوة شبيهة بنشوة الطفل عندما يبعث فيه القمر خوفاً غامضاً ، وهو في هذه الأثناء يستشعر أمراً غريباً يتمثل في أن السحب تبتلع الغيوم المحملة بالمطر وتذوب فيها .
والشاعر في هذه اللحظة ـ المبشرة بنزول المطر ـ يستشعر مع أطفال بلاده فرحتهم وسط كروم العنب استبشاراً بسقوط المطر ، كما يستشعر أن صغار العصافير قد أحست كما الأطفال باللحظة ، وتمنت معهم أن يكون نزول المطر وشيكاً ، بل وهتفت معهم مطر ! أملاً واستبشاراً بقدومه .
وسقط المطر وجاء نهار وذهب مساء والسماء تجود بالمطر الذي يشبه دموعاً مقهورة وثقيلة ، وهذا النزول الشديد للمطر يشبه هذيان طفل ، فقد امه من عام ، ولم يتوان يبحث عنها في كل مكان ، لكنه لم يجدها ، وعندما ألح على الناس سائلاً عنها ، قالوا له إنها ستعود قريباً ، وأكدوا له ذلك ، مع أن بعضهم كان يهمس بصوت خفي حول ما حدث لها ، فهي قد ماتت ودفنت في جانب ذلك الشق ، وكأنها في موتها تسف التراب ، وتشرب ما ينزل على قبرها من مطر ، ولعل حال هذا الطفل الحائر السائل عن مصير امه وأمله الضائع في البحث عنها ، يشبه حال صياد حزين رمى شباكه أملاً بالتقاط الأسماك وهو يتسلى بالغناء ، عند غروب القمر متمنياً أن يحظى بنصيب من السمك ، كما يأمل الشاعر وأهل العراق بالحصول على الخير المتمثل في سقوط المطر .
ثانياً : في الأسلوب
استخدم الشاعر في القصيدة أساليب عدة ، من أجل أن يرسم صوراً لواقع شعبه وأمته ، وفي الوقت نفسه كيما يعبر عن صراع هذه الأمة من أجل الوصول إلى أملها وحلمها في الثورة على الظلم وتغيير الشقاء الذي تعيش وسطه ، ورسم مستقبلها كما تريد هي ، لا كما يريده غيرها لها .
إن التنوع في قوالب عرض الأزمة التي أراد الشاعر أن يعبر عنها ، نابع من أن الأدواء التي تعيشها الأمة كثيرة ومتنوعة ومتجذرة أيضاً . وأن التنوع في تصويرها ربما يساهم في جذب اهتمام أبناء أمته إليها بعد تعريتها وسيكون له أثر فاعل في إيمان أبناء الأمة بضرورة التغيير ، والتبشير به بل والعمل على تحقيقه في النهاية .
لذا حشد الشاعر عديداً من الأساليب ووسائل التعبير ، في سبيل تحقيق ما ذكر : لقد استعمل الشاعر أسلوب التصوير القائم على التماس المشابهة بين الأشياء المادية والمعنوية ، كما عمد إلى استثمار إيراد الصور المتناقضة أو المتسقة ، وعمد أيضاً إلى استخدام أسلوب الاستفهام والتعجب والتقرير والنداء والمقارنة وتكرار بعض الألفاظ ، كما كرر بعض المقاطع أما الصور فقد كانت كلها ملتقطة من البيئة ، الخليج وخيراته وكوارثه ، الغيوم والمطر ، الصيادين والمحار واللؤلؤ ، الموتى على شواطيء الخليج ، ضحكات الأطفال وسط الكروم ، المهاجرون يصارعون الموج العاتي ، النخيل وهو يشرب المطر ، قطرات المطر الملونة بلون الزهر وبلون ضحكات الأطفال ، الأرض الحبلى بالخيرات وغير ذلك من صور الأرض والسماء والإنسان .

إرسال تعليق

0 تعليقات